فصل: فصل في تكبير العيد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب صلاة الخوف

اعلم أن ليس المراد بهذه الترجمة أن الخوف يقتضي صلاة مستقلة كقولنا صلاة العيد ولا أنه يؤثر في تغير قدر الصلاة أو وقتها كقولنا صلاة السفر‏.‏

وإنما المراد أنه يؤثر في كيفية إقامة الفرائض بل في إقامتها بالجماعة واحتمال أمور فيها كانت لا تحتمل‏.‏

ثم هو في الأكثر لا يؤثر في إقامة مطلق الفرائض بل في إقامتها بالجماعة كما نفصله إن شاء الله تعالى وقال المزني صلاة الخوف منسوخة ومذهبنا أنها باقية وهي أربعة أنواع

 أنواع صلاة الخوف

 الأول صلاة بطن نخل

وهي أن يجعل الإمام الناس فرقتين فرقة في وجه العدو وفرقة يصلي بها جميع الصلاة سواء كان ركعتين أو ثلاثا أو أربعا فإذا سلم بهم ذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الفرقة الأخرى فصلى بهم تلك الصلاة مرة ثانية تكون له نافلة ولهم فريضة وإنما يندب إلى هذه الصلاة بثلاثة شروط أن يكون العدو في غير القبلة وأن يكون في المسلمين كثرة والعدو قليل وأن يخاف هجومهم على المسلمين في الصلاة وهذه الأمور ليست شرطا للصحة فإن الصلاة على هذا الوجه تجوز بغير خوف وإنما المراد أن الصلاة هكذا إنما يندب إليها وتختار بهذه الشروط‏.‏

 النوع الثاني صلاة عسفان

وهي أن يرتبهم الإمام صفين ويحرم بالجميع فيصلوا معه إلى أن ينتهي إلى الاعتدال عن ركوع الأولى فإذا سجد سجد معه الصف الثاني ولم يسجد الصف الأول بل يحرسوا لهم قياما فإذا قام الإمام والساجدون سجد أهل الصف الأول ولحقوه وقرأ الجميع معه وركعوا واعتدلوا فإذا سجد سجد معه الصف الحارسون في الركعة الأولى وحرس الآخرون فإذا جلس للتشهد سجدوا ولحقوه وتشهدوا كلهم معه وسلم بهم‏.‏

هذه الكيفية ذكرها الشافعي رحمه الله في المختصر واختلف الأصحاب فأخذ كثيرون بها منهم أصحاب القفال وتابعهم الغزالي وقالوا هي منقولة عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بعسفان وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه ما ذكره الشافعي خلاف الثابت في السنة فإن الثابت أن الصف الأول سجدوا معه في الركعة الأولى والصف الثاني سجدوا معه في الثانية والشافعي عكس ذلك‏.‏

قالوا والمذهب ما ثبت في الخبر لأن الشافعي رحمه الله قال إذا رأيتم قولي مخالفا للسنة فاطرحوه‏.‏

واعلم أن الشافعي لم يقل إن الكيفية التي ذكرها هي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان بل قال وهذا نحو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فأشبه تجويزه كل واحد منهما وقد صرح به الروياني وصاحب التهذيب وغيرهما‏.‏

قلت الصحيح المختار جواز الأمرين وهو مراد الشافعي فإنه ذكر الحديث كما ثبت في الصحيح ثم ذكر الكيفية المذكورة فأشار إلى جوازهما والله أعلم‏.‏

ثم المذهب الصحيح المنصوص المشهور أن الحراسة في السجود خاصة وأن الجميع يركعون معه وفيه وجه أنهم يحرسون في الركوع أيضاً وهو شاذ منكر قال أصحابنا لهذه الصلاة ثلاثة شروط‏.‏

أن يكون العدو في جهة القبلة وأن يكون على جبل أو مستوى من الأرض لا يسترهم شيء عن أبصار المسلمين وأن يكون في المسلمين كثرة لتسجد طائفة وتحرس أخرى ولا يمتنع أن يزيد على صفين بل يجوز أن يرتبهم صفوفا كثيرة ثم يحرس صفإن كما سبق ولا يشترط أن يحرس جميع من في الصف بل لو حرست فرقتان من صف واحد على المناوبة في الركعتين جاز‏.‏

فلو تولى الحراسة في الركعتين طائفة واحدة ففي صلاة هذه الطائفة وجهان أصحهما الصحة وبه قطع جماعة‏.‏

فرع لو تأخر الحارسون أولا إلى الصف الثاني في الركعة الثانية وتقدمت الطائفة الثانية ليحرسوا جاز إذا لم تكثر أفعالهم وذلك بأن يتقدم كل واحد من الصف الثاني خطوتين ويتأخر كل واحد من الصف الأول خطوتين وينفذ كل واحد بين رجلين وهل هذا التقدم أفضل أم ملازمة كا واحد مكانه وجهان‏.‏

قال الصيدلاني والمسعودي والغزالي وآخرون التقدم أفضل وقال العراقيون الملازمة أفضل ولفظ الشافعي على هذا أدل وهذا كله بناء على ما ذكره الشافعي أن الصف الأول يحرس في الأول‏.‏

فأما على اختيار أبي حامد أن الصف الأول يسجدون في الأول فإن في الركعة الثانية يتقدم الصف الثاني ويتأخر الأول فتكون الحراسة في الركعتين ممن خلف الصف الأول وكذلك ورد الخبر‏.‏

قلت ثبت في صحيح مسلم تقدم الصف الثاني وتأخر الأول والله أعلم‏.‏

 النوع الثالث صلاة ذات الرقاع

وهي تارة تكون في صلاة ذات ركعتين إما الصبح وإما مقصورة وتارة في ذات ثلاث أو أربع فأما ذات ركعتين فيفرق الإمام الناس فرقتين فرقة في وجه العدو وينحاز بفرقة إلى حيث لا يبلغهم سهام العدو فيفتح بهم الصلاة ويصلي بهم ركعة هذا القدر اتفقت عليه الروايات‏.‏

وفيما يفعل بعد ذلك روايتان إحداهما أنه إذا قام الإمام إلى الثانية خرج المقتدون عن متابعته وأتموا لأنفسهم الركعة الثانية وتشهدوا وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو وجاؤوا أولئك فاقتدوا به في الثانية‏.‏

ويطيل الإمام القيام إلى لحوقهم فإذا لحقوه صلى بهم الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية وهو ينتظرهم فإذا لحقوه سلم بهم هذه رواية سهل بن أبي حثمة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما الثانية فهي أن الإمام إذا قام إلى الثانية لم يتم المقتدون به الصلاة بل يذهبون إلى مكان إخوانهم وجاه العدو وهم في الصلاة فيقفون سكوتا وتجيء تلك الطائفة فتصلي مع الإمام ركعته الثانية‏.‏

فإذا سلم ذهبت إلى وجه العدو وجاء الأولون إلى مكان الصلاة وأتموا لأنفسهم وذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى إلى مكان الصلاة وأتموا وهذه رواية ابن عمر ثم إن الشافعي رحمه الله اختار الرواية الأولى لسلامتها من كثرة المخالفة ولأنها أحوط لأمر الحرب‏.‏

و للشافعي قول قديم أنه إذا صلى الإمام بالطائفة الثانية الركعة الثانية تشهد بهم وسلم ثم هم يقومون إلى تمام صلاتهم كالمسبوق وقول آخر أنهم يقومون إذا بلغ الإمام موضع السلام ولم يسلم بعد‏.‏

وهل تصح الصلاة على صفة رواية ابن عمر قولان المشهور الصحة لصحة الحديث وعدم المعارض ولا يصح قول الآخر إنه منسوخ فإن النسخ يحتاج إلى دليل وإقامة الصلاة على الوجه المذكور ليست عزيمة لا بد منها بل لو صلى بطائفة وصلى غيره بالباقين أو صلى بعضهم أو كلهم منفردين جاز قطعا لكن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمحون بترك فضيلة الجماعة فأمر الله سبحانه وتعالى بترتبهم هكذا لتحصل طائفة فضيلة التكبير معه والأخرى فضيلة التسليم معه‏.‏

وهذا النوع موضعه إذا كان العدو في غير جهة القبلة أو فيها وبينهم وبين المسلمين حائل يمنع رؤيتهم لو هجموا‏.‏

فرع الطائفة الأولى ينوون مفارقة الإمام إذا قاموا معه إلى الثانية ولو فارقوه بعد رفع الرأس من السجود جاز والأول أولى وأما الطائفة الثانية فإذا قاموا إلى ركعتهم الثانية لا ينفردون عن الإمام كذا قاله الجمهور‏.‏

وفيه شيء يأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

فرع إذ قام الإمام إلى الثانية هل يقرأ في انتظاره مجيء الطائفة الثانية أم يؤخر ليقرأ معهم فيه ثلاث طرق أصحها على قولين‏.‏

أظهرهما يقرأ الفاتحة والسورة بعدها فإذا جاؤوا قرأ من السورة قدر الفاتحة وسورة قصيرة ثم والثاني لا يقرأ شيئا بل يشتغل بما شاء من التسبيح وسائر الأذكار‏.‏

والطريق الثاني يقرأ قولا واحدا‏.‏

والثالث إن أراد قراءة سورة طويلة بعد الفاتحة قرأ ومدها وإن أراد قصيرة انتظرهم ولو لم ينتظرهم وأدركوه في الركوع أدركوا الركعة وهل يتشهد في انتظاره فراغ الثانية من ركعتهم إذا قلنا يفارقونه قبل التشهد فيه طرق المذهب أنه يتشهد وقيل فيه الطريقان الأولان في القراءة

قلت قال أصحابنا إذا قلنا لا يتشهد اشتغل في مدة الانتظار بالتسبيح وغيره من الأذكار ويستحب للإمام أن يخفف الأولى ويستحب للطائفتين التخفيف فيما ينفردون به والله أعلم‏.‏

فرع لو صلى الإمام بهم هذه الصلاة في الأمن هل تصح أما ففيها طريقان أحدهما صحيحة قطعا وقال الأكثرون في صحتها قولان لأنه ينتظرهم بغير عذر وأما الطائفة الأولى ففي صحة صلاتها القولان فيمن فارق بغير عذر وأما الطائفة الثانية فإن قلنا صلاة الإمام تبطل بطل اقتداؤهم وإلا انعقد ثم تبنى صلاتهم إذا قاموا إلى الثانية على خلاف يأتي أنهم منفردون بها أم في حكم الاقتداء إن قلنا بالأول ففيها قولان مبنيان على أصلين أحدهما الانفراد بغير عذر والثاني الاقتداء بعد الانفراد وإن قلنا بالثاني بطلت صلاتهم لأنهم انفردوا بركعة وهم في القدوة ولو فرضت الصلاة في الأمن على رواية ابن عمر بطلت صلاة المأموين قطعاً‏.‏

فرع إذا صلى المغرب في الخوف جاز أن يصلي بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين وعكسه وأيهما أفضل فيه قولان أظهرهما بالأولى ركعتين ومنهم من قطع به فإن قلنا بالأولى ركعة فارقته إذا قام إلى الثانية وتتم لنفسها كما ذكراه في ذات الركعتين وإن قلنا بالأولى ركعتين جاز أن ينتظر الثانية في التشهد الأول وجاز أن ينتظرهم في القيام الثالث وأيهما أفضل قولان أظهرهما الانتظار في القيام وعلى هذا هل يقرأ الفاتحة أم يصبر إلى لحوق الطائفة الثانية فيه الخلاف المتقدم‏.‏

فرع إذا كانت صلاة الخوف رباعية بأن كانت في الحضر أو أرادوا في السفر فينبغي للإمام أن يفرقهم فرقتين ويصلي بكل طائفة ركعتين ثم هل الأفضل أن ينتظر الثانية في التشهد الأول أم في القيام الثالث فيه الخلاف المتقدم في المغرب ويتشهد بكل طائفة بلا خلاف فلو فرقهم أربع فرق وصلى بكل فرقة ركعة بأن صلى بالأولى ركعة ثم فارقته وصلت ثلاثا وسلمت وانتظر قائما فراغها وذهابها ومجيء الثانية ثم صلى بالثانية الثانية وانتظر جالسا في التشهد الأول أو قائما في الثالثة وأتموا لأنفسهم ثم صلى بالثالثة الثالثة وانتظروا في قيام الرابعة وأتموا لأنفسهم ثم صلى بالرابعة الرابعة وانتظرهم في التشهد فأتموا وسلم بهم ففي جوازه قولان‏.‏

أظهرهما الجواز فعلى هذا قال إمام الحرمين شرطه الحاجة فإن لم تكن حاجة فهو كفعلهم في حال الاختيار وعلى هذا القول تكون الطائفة الرابعة كالثانية في ذات الركعتين فيعود الخلاف في أنهم يفارقونه قبل التشهد أو يتشهدون معه أو يقومون بعد سلام الإمام إلى ما عليهم وتتشهد الطائفة الثانية معه على الأصح وعلى الثاني تفارقه قبل التشهد وعلى هذا القول تصح صلاة الإمام والطائفة الرابعة وفي الطوائف الثلاث القولان فيمن فارق الإمام بغير عذر وأما إذا قلنا لا يجوز ذلك فصلاة الإمام باطلة‏.‏

قال جمهور الأصحاب تبطل بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله وقال ابن سريج بالواقع في الرابعة فعلى قول الجمهور وجهان أحدهما تبطل بمعنى الطائفة الثانية والثاني بمعى قدر ركعة من انتظاره الثاني‏.‏

وأما صلاة المأمومين فصلاة الطائفة الأولى والثانية صحيحة لأنهم فارقوه قبل بطلان صلاته وصلاة الرابعة باطلة إن علمت بطلان صلاة الإمام وإلا فلا‏.‏

قلت جزم الإمام الرافعي بصحة صلاة الطائفة الأولى والثانية على هذا القول وليس هو كذلك بل فيهما القولان فيمن فارق بغير عذر كما قلنا في الطوائف الثلاث على قول صحة صلاة الإمام وهذا لا بد منه وصرح به جماعة من أصحابنا وحكى القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وآخرون وجها ضعيفا أن المبطل للطائفة الرابعة أن تعلم أنه انتظار رابع وإن جهلت كونه مبطلا والله أعلم‏.‏

ولو فرقهم في المغرب ثلاث فرق وصلى بكل فرقة ركعة وقلنا لا يجوز ذلك فصلاة جميع الطوائف صحيحة عند ابن سريج وأما عند الجمهور فتبطل الثالثة إن علموا بطلان صلاة الإمام وإذا اختصرت الرباعية ففيها أربعة أقوال أظهرها صحة صلاة الإمام والقوم جميعا والثاني صحة صلاة الإمام والطائفة الرابعة فقط‏.‏

والثالث بطلان صلاة الإمام وصحة صلاة الطائفة الأولى والثانية والفرق في حق الثالثة والرابعة بين أن يعلموا بطلان صلاة الإمام أم لا‏.‏

والرابع صحة الثالثة لا محالة والباقي كالقول الثالث وهو قول ابن سريج‏.‏

قلت وقول خامس وهو بطلان صلاة الجميع ولو فرقهم فرقتين فصلى بفرقة ركعة بالثانية ثلاثا أو عكسه قال أصحابنا صحت صلاة الإمام وجميعهم بلا خلاف وكانت مكروهة ويسجدالإمام والطائفة الثانية سجود السهو للمخالفة بالانتظار في غير موضعه هكذا صرح به أصحابنا ونقله صاحب الشامل عن نص الشافعي رحمه الله قال وهذا يدل على أنه إذا فرقهم أربع فرق وقلنا لا تبطل صلاتهم فعليهم سجود السهو وقال صاحب التتمة لا خلاف في هذه الصورة أن الصلاة مكروهة لأن الشرع ورد بالتسوية بين الطائفتين قال وهل تصح صلاة الإمام أم لا إن قلنا إذا فرقهم أربع فرق تصح فهنا أولى وإلا فقد انتظر في غير موضعه فيكون كمن قنت في غير موضعه قال وأما المأمومون فعلى التفصيل فيما إذا فرقهم أربع فرق وهذا الذي قاله شاذ والصواب قدمناه عن نص الشافعي والأصحاب والله أعلم‏.‏

فرع لو كان الخوف في بلد وحضرت صلاة الجمعة فالمذهب والمنصوص أن لهم يصلوها على هيئة صلاة ذات الرقاع وقيل في جوازها قولان وقيل وجهان ثم للجواز شرطان أحدهما أن يخطب بجميعهم ثم يفرقهم فرقتين أو يخطب بفرقة ويجعل منها مع كل واحد من الفرقتين أربعين فصاعدا فأما لو خطب بفرقة وصلى بأخرى فلا يجوز‏.‏

ولو نقصت الفرقة الثانية عن أربعين فطريقان أحدهما لا يضر‏.‏

والثاني أنه كالخلاف في الانفضاض‏.‏

قلت الأصح لا يضر وبه قطع البندنيحي والله أعلم‏.‏

أما لو خطب بهم ثم أراد أن يصلي بهم صلاة عسفان فهي أولى بالجواز من صلاة ذات الرقاع ولا تجوز كصلاة بطن نخل إذ لا تقام جمعة بعد جمعة‏.‏

فرع صلاة ذات الرقاع أفضل من صلاة بطن نخل على الأصح لأنها بين الطائفتين ولأنها صحيحة بالاتفاق وتلك صلاة مفترض خلف متنفل وفي صحته خلاف للعلماء والثاني وهو قول أبي إسحق بطن النخل أفضل لتحصل لكل طائفة فضيلة الجماعة بالتمام‏.‏

فرع إذا سها بعض المأمومين في صلاة ذات الرقاع على الرواية المختارة نظر إن سهت الطائفة الأولى في الركعة الأولى فسهوها محمول لأنها مقتدية وسهوها في الثانية غير محمول لانقطاعها عن الإمام وفي ابتداء الانقطاع وجهان أحدهما من الانتصاب قائما والثاني من رفع الإمام رأسه من السجود الثاني فعلى هذا لو رفع رأسه وهم بعد في السجود فسهوا فغير محمول ولك أن تقول قد نصوا على أنهم ينوون المفارقة عند رفع الرأس أو الانتصاب فلا معنى للخلاف في ابتداء الانقطاع بل ينبغي أن تقتصر على وقت نية المفارقة وأما الطائفة الثانية فسهوها في الركعة الأولى غير محمول وفي الثانية محمول على الأصح ويجري الوجهان في المزحوم في الجمعة إذا سها في وقت تخلفه وأجروهما فيمن صلى منفردا فسها ثم اقتدى وتممها مأموما وجوزناه واستبعد الإمام هذا وقال الوجه القطع بأن حكم السهو لا يرتفع بالقدوة اللاحقة‏.‏

هذا إذا قلنا الطائفة الثانية يقومون للركعة الثانية إذا جلس الإمام للتشهد فأما إذا قلنا بالقديم إنهم يقومون بعد سلامه فسهوهم في الثانية غير محمول قطعا كالمسبوق‏.‏

أما إذا سها الإمام فينظر إن سها في الركعة الأولى لحق سهوه الطائفتين فالأولى تسجد إذا تمت صلاتهم فلو سها بعضهم في ركعته الثانية فهل يقتصر على سجدتين أم يسجد أربعا فيه الخلاف المتقدم في بابه والأصح سجدتان‏.‏

والطائفة الثانية يسجدون مع الإمام في آخر صلاته‏.‏

وإن سها في الركعة الثانية لم يلحق سهوه الطائفة الأولى وتسجد الثانية معه في آخر صلاته ولو سها في انتظاره إياهم فهل يلحقهم ذلك السهو فيه الخلاف المتقدم في أنه هل يحمل سهوهم فرع هل يجب حمل السلاح في صلاة ذات الرقاع وعسفان وبطن نخل فيه طرق‏.‏

أصحها على قولين أظهرهما يستحب والثاني القطع بالاستحباب والثالث بالايجاب والرابع أن ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين يجب وما يدفع به عن نفسه وغيره كالرمح والقوس لا يجب

وللخلاف شروط أحدها طهارة المحمول فالنجس كالسيف الذق عليه دم أو سقي سما نجسا والنبل المريش بريش ما لا يؤكل لحمه أو بريش ميتة لا يجوز حمله‏.‏

الثاني أن لا يكون مانعا بعض أركان الصلاة فإن كان كالبيضة المانعة من مباشرة الجبهة لم يحمل بلا خلاف‏.‏

الثالث أن لا يتأذى به أحد كالرمح في وسط القوم فيكره‏.‏

الرابع أن يخاف من وضع السلاح خطر على سبيل الاحتمال فأما إذا تعرض للهلاك ظاهرا لو تركه فيجب الأخذ قطعاً‏.‏

واعلم أن الأصحاب ترجموا المسألة بحمل السلاح قال إمام الحرمين وليس الحمل متعينا بل لو وضع السيف عن يديه وكان مد اليد إليه في السهولة كمدها إليه وهو محمول كان ذلك في حكم قال ابن كج يقع السلاح على السيف والسكين والقوس والرمح والنشاب ونحوها فأما الترس والدرع فليس بسلاح وإذا أوجبنا حمل السلاح فتركه لم تبطل صلاته قطعاً‏.‏

قلت ويجوز ترك السلاح للعذر بمرض أو أذى من مطر أو غيره قال في المختصر أكره أن يصلي صلاة الخوف يعني صلاة ذات الرقاع بأقل من ثلاثة وفي وجه العدو ثلاثة والثلاثة أقل الطائفة‏.‏

ولو صلى بواحد واحد جاز والله أعلم‏.‏

 النوع الرابع صلاة شدة الخوف

فإذا التحم القتال ولم يتمكنوا من تركه بحال لقلتهم وكثرة العدو أو اشتد الخوف وإن لم يلتحم القتال فلم يأمنوا أن يركبوا أكتافهم أو ولوا عنهم أو انقسموا صلوا بحسب الإمكان وليس لهم التأخير عن الوقت‏.‏

ويصلون ركبانا ومشاة ولهم ترك استقبال القبلة إذا لم يقدروا عليها ويجوز الاقتداء بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلين حول الكعبة وفيها‏.‏

قلت قال أصحابنا وصلاة الجماعة في هذه الحالة أفضل من الانفراد كحالة الأمن والله أعلم‏.‏

وإنما يعفى عن ترك استقبال القبلة إذا كان بسبب العدو فلو انحرف عن القبلة بجماع الدابة وطال الزمان بطلت صلاته وإذا لم يتمكن من إتمام الركوع والسجود اقتصروا على الإيماء بهما وجعلوا السجود أخفض من الركوع ولا يجب على الماشي استقبال القبلة في الركوع ولا السجود ولا التحرم ولا وضع الجبهة على الأرض فإنه يخاف الهلاك بخلاف المتنفل في السفر ويجب الاحتراز عن الصياح بكل حال بلا خلاف فإنه لا حاجة إليه ولا بأس بالأعمال القليلة فانها محتملة في غير الخوف ففيه أولى وأما الأفعال الكثيرة كالطعنات والضربات المتوالية فهي مبطلة إن لم يحتج إليها فإن احتاج فثلاثة أوجه أصحها عند الأكثرين وبه قال ابن سريج والقفال لا تبطل‏.‏

والثاني تبطل حكاه العراقيون عن ظاهر النص‏.‏

والثالث تبطل إن كان في شخص واحد ولا تبطل في أشخاص وعبر بعضهم عن الأوجه بالأقوال‏.‏

فرع لو تلطخ سلاحه بالدم فينبغي أن يلقيه أو يجعله في قرابه تحت ركابه إلى أن يفرغ من صلاته إن احتمل الحال ذلك فإن احتاج إلى إمساكه فله إمساكه ثم هل يقضي نقل إمام الحرمين عن الأصحاب أنه يقضي لندور عذره ثم منعه وقال تلطخ السلاح بالدم من الأعذار العامة في حق المقاتل ولا سبيل إلى تكليفه تنحية السلاح فتلك النجاسة ضرورية في حقه كنجاسة المستحاضة في حقها ثم جعل المسألة على قولين مرتبين على القولين فيمن صلى في موضع تنجس وهذه الصورة أولى بعدم القضاء لإلحاق الشرع القتال بسائر مسقطات القضاء في سائر المحتملات كاستدبار القبلة والإيماء بالركوع والسجود‏.‏

فرع تقام صلاة العيدين والكسوفين في شدة الخوف لأنه يخاف فوتهما ولا تقام صلاة الاستسقاء فرع تجوز صلاة شدة الخوف في كل ما ليس بمعصية من أنواع تجوز في المعصية فتجوز في قتال الكفار ولأهل العدل في قتال البغاة وللرفقة في قطاع الطريق ولا تجوز للبغاة والقطاع ولو قصد نفس رجل أو حريمه أو نفس غيره أو حريمه وأشغل بالدفع صلى هذه الصلاة ولو قصد ماله نظر إن كان حيوانا فكذلك وإلا فقولان أظهرهما جوازها‏.‏

والثاني لا أما إذا ولوا ظهورهم الكفار منهزمين فننظر إن كان يحل لهم ذلك بأن يكون في مقابلة كل مسلم أكثر من كافرين أو كان متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة جازت هذه الصلاة وإلا فلا لأنه معصية ولو انهزم الكفار وتبعهم المسلمون بحيث لو ثبتوا وأكملوا الصلاة فاتهم العدو لم تجز فرع الرخصة في هذا النوع لا تختص بالقتال بل يتلق بالخوف مطلقا فلو هرب في سبيل أو حريق ولم يجد معدلا عنه أو هرب من سبع فله صلاة شدة الخوف والمديون المعسر العاجز عن بينة الاعسار ولا يصدقه المستحق ولو ظفر به حبسه له أن يصليها هاربا على المذهب وحكي عن الإملاء أن من طلب لا ليقتل بل ليحبس أو يؤخذ منه شيء لا يصليها ولو كان عليه قصاص يرجو العفو إذا سكن الغضب قال الأصحاب له أن يهرب ويصلي صلاة شدة الخوف في هربه واستبعد الإمام جواز هربه بهذا التوقع‏.‏

فرع المحرم إذا ضاق وقت وقوفه وخاف فوت الحج إن صلى متمكنا أوجه للقفال أحدها يؤخر الصلاة ويحصل الوقوف لأن قضاء الحج صعب والثاني يصلي صلاة الخوف فيحصل الصلاة والحج‏.‏

والثالث تجب الصلاة على الأرض مستقرا ويفوت الحج لعظم حرمة الصلاة ولا يصلي صلاة الخوف لأنه محصل لا هارب ويشبه أن يكون هذا الوجه أوفق لكلام الأئمة‏.‏

قلت هذا الوجه ضعيف والصواب الأول فإن جوزنا تأخير الصلاة لأمور لا تقارب المشقة فيها هذه المشقة كالتأخير للجمع والله أعلم‏.‏

فرع لو رأوا سوادا إبلا أو شجرا فظنوه عدوا فصلوا صلاة شدة فبان الحال وجب القضاء على الأظهر ثم قيل القولان فيما إذا أخبرهم بالعدو ثقة وغلط‏.‏

فإن لم يكن إلا ظنهم وجب القضاء قطعا وقيل القولان فيما إذا كانوا في دار الحرب لغلبة الخوف فإن كانوا في دار الإسلام وجب القضاء قطعاً‏.‏

والمذهب جريان القولين في جميع الأحوال ولو تحققوا العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان أنه كان دونهم حائل من خندق أو نار أو ماء أو بان أنه كان بقربهم حصن يمكنهم التحصن به أو ظنوا أن بإزاء كل مسلم أكثر من مشركين فصلوها منهزمين ثم بان خلاف ذلك فحيث أجرينا في الصورة السابقة القولين جريا في هذه ونظائرها وقيل يجب القضاء هنا قطعا قال صاحب التهذيب ولو صلوا في هذه الأحوال صلاة عسفان اطرد القولان‏.‏

ولو صلوا صلاة ذات الرقاع فإن جوزناها في حال الأمن فهنا أولى وإلا جرى القولان‏.‏

لو كان يصلي متمكنا على الأرض مستقبل القبلة فحدث خوف في الصلاة فركب فطريقان أحدهما على قولين‏.‏

أحدهما تبطل صلاته فيستأنف‏.‏

والثاني لا تبطل فيبني‏.‏

والطريق الثاني وهو المذهب أنه إن لم يكن مضطرا إلى الركوب وكان يقدر على القتال وإتمام الصلاة راجلا فركب احتياطا وجب الاستئناف وإن اضطر بنى وعلى هذا إن قل فعله في ركوبه بنى بلا خلاف وإن كثر فعلى الوجهين في العمل الكثير للحاجة أما إذا كان يصلي راكبا صلاة شدة الخوف فأمن ونزل فنص الشافعي أنه يبني وهو المذهب‏.‏

وقيل إن حصل في نزوله فعل قليل بنى وإن كثر فعلى الوجهين قال صاحب الشامل وغيره يشترط في بناء النازل أن لا يستدبر القبلة في نزوله فإن استدبر بطلت صلاته‏.‏

قلت صرح أيضاً القاضي أبو الطيب وصاحب المهذب وآخرون بأنه إذا استدبر القبلة في نزوله بطلت صلاته وهذا متفق عليه‏.‏

واتفقوا على أنه إذا لم يستدبرها بل انحرف يمينا وشمالا فهو مكروه لا تبطل صلاته وعلى أنه إذا أمن وجب النزول في الحال فإن أخر بطلت صلاته والله أعلم‏.‏

يجوز للرجل لبس الحرير في حال مفاجأة القتال إذا لم يجد غيره وكذلك يجوز أن يلبس منه ما هو وقاية القتال كالديباج الصفيق الذي لا يقوم غيره مقامه وفي وجه يجوز اتخاذ القباء ونحوه مما يصلح في الحرب من الحرير ولبسه فيها على الاطلاق لما فيه من حسن الهيئة وزينة الاسلام كتحلية السيف والصحيح تخصيصه بحالة الضرورة‏.‏

فرع للشافعي رحمه الله تعالى نصوص مختلفة في جواز استعمال الأعيان فقيل في أنواع استعمالها كلها قولان‏.‏

والمذهب التفصيل فلا يجوز في الثوب والبدن إلا للضرورة ويجوز في غيرهما إن كانت نجاسة مخففة فإن كانت مغلظة وهي نجاسة الكلب والخنزير فلا وبهذا الطريق قال أبو بكر الفارسي والقفال وأصحابه فلا يجوز لبس جلد الكلب والخنزير في حال الاختيار لأن الخنزير لا يجوز الانتفاع به في حياته بحال وكذاالكلب إلا في أغراض مخصوصة فبعد موتهما أولى ويجوز الانتفاع بالثياب النجسة ولبسها في غير الصلاة ونحوها فإن فاجأته حرب أو خاف على نفسه لحر أو برد ولم يجد غير جلد الكلب والخنزير جاز لبسهما وهل يجوز لبس جلد الشاة الميتة وسائر الميتات في حال الاختيار وجهان أصحهما التحريم ويجوز أن يلبس هذه الجلود فرسه وأداته ولا يجوز استعمال جلد الكلب والخنزير في ذلك ولا غيره ولو جلل كلبا أو خنزيرا بجلد كلب أو خنزير جاز على الأصح لاستوائهما في غلظ النجاسة وأما تسميد الأرض بالزبل فجائز قال إمام الحرمين ولم يمنع منه أحد وفي كلام الصيدلاني ما يقتضي الخلاف فيه ويجوز الاستصباح بالدهن النجس على المشهور وسواء نجس بعارض أو كان نجس العين كودك الميتة ودخان النجاسة نجس على الأصح فإن نجسناه عفي عن قليله والذي يصيبه في الاستصباح قليل لا ينجس غالبا‏.‏

 فصل فيما يجوز لبسه في حال الاختيار

وما لا يجوز ويحرم على والخنثى لبس الحرير والديباج ويجوز للنساء وفي تحريمه على الخنثى احتمال والقز كالحرير على المذهب ونقل الإمام الاتفاق عليه وحكي في إباحته وجهان وفي المركب من الحرير وغيره طريقان المذهب والذي قطع به الجمهور أنه إن كان الحرير أكثر وزنا حرم وإن كان غيره أكثر لم يحرم وإن استويا لم يحرم على الأصح والطريق الثاني قاله القفال إن ظهر الحرير حرم وإن قل وزنه وإن فرع يجوز لبس المطرف والمطرز بالديباج بشرط الاقتصار على عادة التطريف فإن حرم الترقيع بالديباج كالتطريز ولو خاط ثوبا بإبريسم جاز لبسه بخلاف الدرع المنسوجة بقليل الذهب فإنه حرام لكثرة الخيلاء فيه ولو حشا القباء أو الجبة بالحرير جاز على الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور ولو كانت بطانة الجبة حريرا حرم لبسها‏.‏

فرع تحريم الحرير على الرجال لا يختص باللبس بل افتراشه والتدثر به واتخاذه سترا وسائر وجوه وفي وجه شاذ يجوز للرجال الجلوس على الحرير وهو منكر وغلط ويحرم على النساء افتراش الحرير على الأصح‏.‏

قلت الأصح جواز افتراشهن وبه قطع العراقيون والمتولي وغيره والله أعلم‏.‏

وهل للولي إلباس الصبي الحرير فيه أوجه أصحها يجوز قبل سبع سنين ويحرم بعدها وبه قطع البغوي والثاني يجوز مطلقا‏.‏

والثالث يحرم مطلقا‏.‏

قلت الأصح الجواز مطلقا كذا صححه المحققون منهم الرافعي في المحرر وقطع به الفوراني قال صاحب البيان هو المشهور ونص الشافعي والأصحاب على تزيين الصبيان يوم العيد بحلي الذهب والمصبغ ويلحق به الحرير والله أعلم‏.‏

فرع يجوز لبس الحرير في موضع الضرورة كما قلنا إذا فاجأته الحرب أو احتاج لحر أو برد ويجوز للحاجة كالجرب وفيه وجه أنه لا يجوز وهو منكر ويجوز لدفع القمل في السفر وكذا في الحضر على الأصح‏.‏

قلت قال أصحابنا يجوز لبس الكتان والقطن والصوف والخز وإن كانت نفيسة غالية الاثمان لأن نفاستها بالصنعة قال صاحب البيان يحرم على الرجل لبس الثوب المزعفر ونقل البيهقي وغيره عن الشافعي رحمه الله أنه نهى الرجل عن المزعفر وأباح له المعصفر قال البيهقي والصواب إثبات نهي الرجل عن المعصفر أيضاً للأحاديث الصحيحة فيه قال وبه قال الحليمي قال ولو بلغت أحاديثه الشافعي لقال بها وقد أوصانا بالعمل بالحديث الصحيح قال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي رحمه الله يحرم تنجيد البيوت بالثياب المصورة وبغير المصورة سواء فيه الحرير وغيره والصواب في غير الحرير والمصور الكراهة دون التحريم قال صاحب التهذيب ولو بسط فوق الديباج ثوب قطن وجلس عليه أو جلس على جبة محشوة بالحرير جاز ولو حشا المخدة بإبريسم جاز استعمالها على الصحيح كما قلنا في الجبة قال إمام الحرمين وظاهر كلام الأئمة أن من لبس ثوبا ظهارته وبطانته قطن وفي وسطه حرير منسوج جاز قال وفيه نظر ويكره أن يمشي في نعل واحدة أو خف واحد ويكره أن يتنعل قائما‏.‏

والمستحب في لبس النعل وشبهه أن يبدأ باليمين ويبدأ بخلع اليسار ولا يكره لبس خاتم الرصاص والحديد والنحاس على الصحيح وبه قطع في التتمة ويجوز لبس خاتم الفضة للرجل في يمينه وفي يساره كلاهما سنة لكن اليمين أفضل على الصحيح المختار ويجوز للرجال والنساء لبس الثوب الأحمر والأخضر وغيرهما من المصبوغات بلا كراهة إلا ما ذكرنا في المزعفر والمعصفر للرجال قال صاحب التتمة و البحر يكره لبس الثياب الخشنة لغير غذض شرعي ويحرم إطالة الثوب عن الكعبين للخيلاء ويكره لغير الخيلاء ولا فرق في ذلك بين حال الصلاة وغيرها والسراويل والإزار في حكم الثوب‏.‏

وله لبس العمامة بعذبة وبغيرها وحكم إطالة عذبتها حكم إطالة الثوب فقد روينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة والله أعلم‏.‏

هي سنة على الصحيح المنصوص وعلى الثاني فرض كفاية فإن اتفق أهل بلد على تركها قوتلوا إن قلنا فرض كفاية وإن قلنا سنة لم يقاتلوا على الأصح ويدخل وقتها بطلوع الشمس والأفضل تأخيرها إلى أن ترتفع قدر رمح كذا صرح به كثير من الأصحاب منهم صاحب الشامل و المهذب والروياني ومقتضى كلام جماعة منهم الصيدلاني وصاحب التهذيب أنه يدخل بالارتفاع واتفقوا على خروج الوقت بالزوال‏.‏

قلت الصحيح أو الأصح دخول وقتها بالطلوع والله أعلم‏.‏

فرع المذهب والمنصوص في الكتب الجديدة كلها أن صلاة العيد تشرع للمنفرد الجديد هذا والقديم أنه يشترط فيها شروط الجمعة من اعتبار الجماعة والعدد بصفات الكمال وغيرهما إلا أنه يجوز فعلها خارج البلد ومنهم من منعه ومنهم من جوزها بدون الأربعين على هذا وخطبتها بعدها ولو تركت الخطبة لم تبطل الصلاة وإذا قلنا بالمذهب فصلاها المنفرد لم يخطب على الصحيح وإن صلاها مسافرون خطب إمامهم‏.‏

 فصل في صفة صلاة العيد

هي ركعتان صفتها في الأركان والسنن والهيآت كغيرها وينوي بها صلاة العيد هذا أقلها والأكمل أن يقرأ دعاء الاستفتاح عقب الإحرام كغيرها ثم يكبر في الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام والركوع وفي الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام من السجود والهوي إلى الركوع وقال المزني التكبيرات في الأولى ست ولنا قول شاذ منكر أن دعاء الاستفتاح يكون بعد هذه التكبيرات ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين من الزوائد قدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة يهلل الله تعالى ويكبره ويمجده ذا لفظ الشافعي قال الأكثرون يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولو زاد جاز‏.‏

قال الصيدلاني عن بعض الأصحاب يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير‏.‏

وقال ابن الصباغ لو قال ما اعتاده الناس الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا كان حسنا‏.‏

قلت وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مسعود المسعودي من أصحابنا يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا إله غيرك والله أعلم‏.‏

ولا يأتي بهذا الذكر عقب السابعة والخامسة في الثانية بل يتعوذ عقب السابعة وكذا عقب قلت وأما في الركعة الثانية فقال إمام الحرمين يأتي به قبل الأولى من الخمس والمختار الذي يقتضيه كلام الأصحاب أنه لا يأتي به كما في الأولى والله أعلم‏.‏

ثم يقرأ الفاتحة ثم يقرأ بعدها في الأولى ق وفي الثانية اقتربت الساعة‏.‏

قلت وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما سبح اسم ربك الأعلى و وهل أتاك فهو سنة أيضاً والله أعلم‏.‏

فرع يستحب رفع اليدين في التكبيرات الزوائد ويضع اليمنى على اليسرى وفي العدة ما يشعر بخلاف فيه ولو شك في عدد التكبيرات أخذ بالأقل ولو كبر ثماني تكبيرات وشك هل نوى التحريم بواحدة منها فعليه استئناف الصلاة ولو شك في التكبيرة التي نوى التحريم بها جعلها الأخيرة وأعاد الزوائد‏.‏

ولو صلى خلف من يكبر ثلاثا أو ستا تابعه ولا يزيد عليه على الأظهر ولو ترك الزوائد لم يسجد للسهو‏.‏

قلت ويجهر بالقراءة والتكبيرات ويسر بالذكر بينهما والله أعلم‏.‏

لو نسي التكبيرات الزوائد في ركعة فتذكر في الركوع أو بعده مضى في صلاته ولم يكبر فإن عاد إلى القيام ليكبر بطلت صلاته فلو تذكرها قبل الركوع وبعد القراءة فقولان الجديد الأظهر لا يكبر لفوات محله والقديم يكبر لبقاء القيام وعلى القديم لو تذكر في أثناء الفاتحة قطعها وكبر ثم استأنف القراءة وإذا تدارك التكبير بعد الفاتحة استحب استئنافها وفيه وجه ضعيف أنه يجب ولو أدرك الإمام في أثناء القراءة وقد كبر بعض التكبيرات فعلى الجديد لا يكبر ما فاته‏.‏

وعلى القديم يكبر ولو أدركه راكعا ركع معه ولا يكبر بالاتفاق ولو أدركه في الركعة الثانية كبر معه خمسا على الجديد فإذا قام إلى ثانيته كبر أيضاً خمسا‏.‏

 فصل في خطبة العيد

فإذا فرغ الإمام من صلاة العيد صعد المنبر على الناس بوجهه وسلم وهل يجلس قبل الخطبة وجهان الصحيح المنصوص يجلس كخطبة الجمعة ثم يخطب خطبتين أركانهما كأركانهما في الجمعة ويقوم فيهما ويجلس بينهما كالجمعة لكن يجوز هنا القعود فيهما مع القدرة على القيام ويستحب أن يعلمهم في عيد الفطر أحكام صدقة الفطر وفي الأضحى أحكام الأضحية ولو أدخل بينهما الحمد والتهليل والثناء جاز وذكر بعضهم أن صفتها كالتكبيرات المرسلة والمقيدة التي سنذكرها إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت نص الشافعي وكثيرون من الأصحاب على أن هذه التكبيرات ليست من الخطبة وإنما هي مقدمة لها ومن قال منهم تفتتح الخطبة بالتكبيرات يحمل كلامه على موافقة النص الذي ذكرته لأن افتتاح الشيء قد يكون ببعض مقدماته التي ليست من نفسه فاحفظ هذا فانه مهم خفي والله أعلم‏.‏

يستحب للناس استماع الخطبة ومن دخل والإمام يخطب فإن كان في المصلى جلس واستمع ولم يصل التحية ثم إن شاء صلى صلاة العيد في الصحراء وإن شاء صلاها إذا رجع إلى بيته وإن كان في المسجد استحب له التحية ثم قال أبو إسحق لو صلى العيد كان أولى وحصل التحية كمن دخل المسجد وعليه مكتوبة ففعلها ويحصل بها التحية وقال ابن أبي هريرة يصلي التحية ويؤخر صلاة العيد إلى ما بعد الخطبة والأول أصح عند الأكثرين‏.‏

ولو خطب الإمام قبل الصلاة فقد أساء وفي الاعتداد بخطبته احتمال لإمام الحرمين‏.‏

قلت الصواب وظاهر نصه في الأم أنه لا يعتد بها كالسنة الراتبة بعد الفريضة إذا قدمها والله أعلم‏.‏

صلاة العيد تجوز في الصحراء وفي الجامع وأيهما افضل ان كان بمكة فالمسجد أفضل قطعا وألحق به الصيدلاني بيت المقدس‏.‏

وإن كان بغيرهما فإن كان عذر كمطر أو ثلج فالمسجء أولى وإلا فإن ضاق المسجد فالصحراء أولى بل يكره فعلها في المسجد فإن كان واسعا فوجهان أصحهما وبه قطع العراقيون وصاحب التهذيب وغيره المسجد أولى والثاني الصحراء وإذا خرجالإمام إلى الصحراء استخلف من يصلي بضعفة الناس‏.‏

وإذا صلى في المسجد وحضر الحيض وقفن بباب المسجد وهذا الفصل تفريع على المذهب في جواز صلاة العيد في غير البلد وجوازها من غير شروط الجمعة وفيه الخلاف المتقدم

 فصل في السنن المستحبة ليلة العيد ويومه

فيستحب التكبير المرسل بغروب الشمس في العيدين جميعا كما سيأتي بيانه في فصل التكبير إن شاء الله تعالى‏.‏

ويستحب استحبابا متأكدا إحياء ليلتي العيد بالعبادة‏.‏

قلت وتحصل فضيلة الإحياء بمعظم الليل وقيل تحصل بساعة وقد نقل الشافعي رحمه الله في الأم عن جماعة من خيار أهل المدينة ما يؤيده ونقل القاضي حسين عن ابن عباس أن إحياء ليلة العيد أن يصلي العشاء في جماعة ويعزم أن يصلي الصبح في جماعة والمختار ما قدمته قال الشافعي رحمه الله وبلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال‏.‏

ليلة الجمعة والعيدين وأول رجب ونصف شعبان قال الشافعي وأستحب كل ما حكيته في هذه الليالي والله أعلم‏.‏

فرع يسن الغسل للعيدين ويجوز بعد الفجر قطعا وكذا قبله على الأظهر وعلى هذا هل يجوز في جميع الليل أم يختص بالنصف الثاني وجهان‏.‏

قلت الأصح اختصاصه والله أعلم‏.‏

ويستحب التطيب يوم العيد والتنظف بحلق الشعر وقلم الظفر وقطع الرائحة الكريهة ويستحب أن يلبس أحسن ما يجده من الثياب وأفضلها البيض ويتعمم فإن لم يجد إلا ثوبا استحب أن يغسله للجمعة والعيد ويستوي في استحباب جميع ما ذكرناه القاعد في بيته والخارج إلى الصلاة هذا حكم الرجال‏.‏

وأما النساء فيكره لذوات الجمال والهيئة الحضور ويستحب للعجائز ويتنظفن بالماء ولا يتطيبن ولا يلبسن ما يشهرهن من الثياب بل يخرجن في بذلتهن وفي وجه شاذ لا يخرجن مطلقا‏.‏

فرع السنة لقاصد العيد المشي فإن ضعف لكبر أو مرض فله الركوب وللقادر الركوب في الرجوع ويستحب للقوم أن يبكروا إلى صلاة العيدين إذا صلوا الصبح ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة‏.‏

والسنة للإمام أن لا يخرج إلا في الوقت الذي يصلي فيه فإذا وصل إلى المصلى شرع في صلاة العيد ويستحب للإمام أن يؤخر الخروج في عيد الفطر قليلا ويعجل في الأضحى ويكره للإمام أن يتنفل قبل صلاة العيد وبعدها ولا يكره للمأموم قبلها ولا بعدها ويستحب في عيد الفطر أن يأكل شيئا قبل خروجه إلى الصلاة ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي ويرجع‏.‏

قلت ويستحب أن يكون المأكول تمرا إن أمكن ويكون وترا والله أعلم‏.‏

وينادى لها الصلاة جامعة قال صاحب العدة ولو نودي لها حي على الصلاة جاز بل هو مستحب‏.‏

قلت ليس كما قال فقد قال الشافعي رضي الله عنه ينادي الصلاة جامعة فإن قال هلموا إلى الصلاة فلا بأس قال وأحب أن يتوقى ألفاظ الأذان وقال الدارمي لو قال حي على الصلاة كره لأنه من الأذان والله أعلم‏.‏

فرع صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى العيد ويرجع في أخرى واختلف في سببه فقيل لتبرك أهل الطريقين وقيل ليستفتى منهما وقيل ليتصدق على فقرائهما وقيل ليزور قبور أقاربه فيهما وقيل ليشهد له الطريقان وقيل ليزداد غيظ المنافقين وقيل لئلا تكثر الزحمة وقيل يقصد أطول الطريقين في الذهاب وأقصرهما في الرجوع وهذا أظهرها ثم من شارك في المعنى استحب ذلك له وكذا من لم يشارك على الصحيح الذي اختاره الأكثرون وسواء فيه الإمام والمأموم‏.‏

قلت وإذا لم يعلم السبب استحب التأسي قطعا والله أعلم‏.‏

 فصل في قضاء صلاة العيد

قد قدمنا في قضاء صلاة العيد وغيرها من النوافل الراتبة اذا فاتت قولين وتقدم الخلاف في اشتراط شرائط الجمعة فيها فلو شهد عدلان يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال برؤية الهلال في الليلة الماضية أفطروا فإن بقي من الوقت ما يمكن جمع الناس والصلاة فيه صلوها وكانت أداء وإن شهدوا بعد غروب الشمس يوم الثلاثين لم تقبل شهادتهم إذ لا فائدة فيها إلا المنع من صلاة العيد فلا يصغى إليها ويصلون من الغد العيد أداء هكذا قال الأئمة واتفقوا عليه‏.‏

وفي قولهم لا فائدة إلا ترك صلاة العيد إشكال بل لثبوت الهلال فوائد أخر كوقوع الطلاق والعتق المعلقين وابتداء العدة منه وغير ذلك فوجب أن نقبل لهذه الفوائد ولعل مرادهم بعدم الإصغاء في صلاة العيد وجعلها فائتة لا عدم القبول على الاطلاق‏.‏

قلت مرادهم فيما يرجع إلى الصلاة خاصة قطعا فأما الحقوق والأحكام المتعلقة بالهلال كأجل الدين والعتق والمولى والعدة وغيرها فثبت قطعا والله أعلم‏.‏

فلو شهدوا قبل الغروب بعد الزوال أو قبله بيسير بحيث لا يمكن فيه الصلاة قبلت الشهادة في الفطر قطعا وصارت الصلاة فائتة على المذهب وقيل قولان أحدهما هذا والثاني يفعل من الغد أداء لعظم حرمتها‏.‏

فإن قلنا بالمذهب فقضاؤها مبني على قضاء النوافل فإن قلنا لا تقضى لم يقض العيد وإن قلنا تقضى بنى على أنها كالجمعة في الشرائط أم لا فإن قلنا نعم لم تقض وإلا قضيت وهو المذهب من حيث الجملة وهل لهم أن يصلوها في بقية يومهم وجهان بناء على أن فعلها في الحادي والثلاثين إداء أم قضاء إن قلنا أداء فلا‏.‏

وإن قلنا قضاء وهو الصحيح جاز ثم هل هو أفضل أم التأخير إلى ضحوة الغد وجهان أصحهما التقديم أفضل هذا إذا أمكن جمع الناس في يومهم لصغر البلدة فإن عسر وإذا قلنا يصلونها في الحادي والثلاثين قضاء فهل يجوز تأخيرها عنه قولان وقيل وجهان أظهرهما جوازه أبدا وقيل إنما يجوز في بقية شهر العيد ولو شهد اثنان قبل الغروب وعدلا بعده فقولان وقيل وجهان أحدهما الاعتبار بوقت الشهادة وأظهرهما بوقت التعديل فيصلون من الغد بلا خلاف أداء هذا كله إذا وقع الاشتباه وفوات العيد لجميع الناس‏.‏

فإن وقع ذلك لأفراد لم يجز إلا قولان منع القضاء وجوازه أبدا‏.‏

فرع إذا وافق يوم العيد يوم جمعة وحضر أهل القرى الذين يبلغهم لصلاة العيد وعلموا أنهم لو انصرفوا لفاتتهم الجمعة فلهم أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة في هذا اليوم على الصحيح المنصوص في القديم والجديد‏.‏

وعلى الشاذ عليهم الصبر للجمعة‏.‏

 فصل في تكبير العيد

وهو قسمان أحدهما في الصلاة والخطبة وقد مضى والثاني في غيرهما وهو ضربان مرسل ومقيد فالمرسل لا يقيد بحال بل يؤتى به في المساجد والمنازل والطرق ليلا ونهارا والمقيد يؤتى به في أدبار الصلاة خاصة فالمرسل مشروع في العيدين جميعا وأول وقته في العيدين بغروب أظهرها يكبرون إلى أن يحرم الإمام بصلاة العيد والثاني إلى أن يخرج الإمام إلى الصلاة والثالث إلى أن يفرغ منها‏.‏

وقيل إلى أن يفرغ من الخطبتين والطريق الثاني القطع بالقول الأول ويرفع الناس أصواتهم بالمرسل في ليلتي العيدين ويوميهما إلى الغاية المذكورة في المنازل والمساجد والأسواق والطرق في السفر والحضر في طريق المصلى وبالمصلى ويستثنى منه الحاج فلا يكبر ليلة الأضحى بل ذكره التلبية وتكبير ليلة الفطر آكد من ليلة الأضحى على الجديد وفي القديم عكسه وأما المقيد فيشرع في الأضحى ولا يشرع في الفطر على الأصح عند الأكثرين وقيل على الجديد وعلى الثاني يستحب عقب المغرب والعشاء والصبح وحكم الفوائت والنوافل في هذه المدة على هذا الوجه يقاس بما نذكره إن شاء الله تعالى في الأضحى‏.‏

وأما الأضحى فالناس فيه قسمان حجاج وغيرهم فالحجاج يبتدؤون التكبير عقب ظهر يوم النحر ويختمونه عقب الصبح آخر أيام التشريق وأما غير الحجاج ففيهم طريقان أصحهما على ثلاثة أقوال أظهرها أنهم كالحجاج والثاني يبتدؤون عقب المغرب ليلة النحر إلى صبح الثالث من أيام التشريق والثالث عقب الصبح من يوم عرفة ويختمونه عقب العصر آخر أيام التشريق قال قلت وهو الأظهر عند المحققين للحديث والله أعلم‏.‏

والطريق الثاني القطع بالقول الأول ولو فاتته فريضة في هذه الأيام فقضاها في غيرها لم يكبر ولو فاتته في غير هذه الأيام أو فيها فقضاها فيها كبر على الأظهر ويكبر عقب النوافل الراتبة ومنها صلاة العيد وعقب النافلة المطلقة وعقب الجنازة على المذهب في الجميع وإذا اختصرت فقيل أربعة أوجه‏.‏

أصحها يكبر عقب كل صلاة مفعولة في هذه الأيام والثاني يختص بالفرائض المفعولة فيها مؤداة كانت أو مقضية والثالث يختص بفرائضها مقضية كانت أو مؤداة والرابع لا يكبر إلا عقب مؤداتها والسنن الراتبة ولو نسي التكبير خلف الصلاة فتذكر والفصل قريب كبر وإن فارق مصلاه‏.‏

فلو طال الفصل كبر أيضاً على الأصح والمسبوق إنما يكبر إذا أتم صلاة نفسه قال إمام الحرمين وجميع ما ذكرناه هو في التكبير الذي يرفع به صوته ويجعله شعارا أما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه فلا منع منه‏.‏

فرع صفة هذا التكبير أن يكبر ثلاثا نسقا على المذهب وحكي قول قديم أنه يكبر مرتين قال الشافعي رحمه الله وما زاد من ذكر الله فحسن واستحسن في الأم أن تكون زيادته ألله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله وألله أكبر‏.‏

وقال في القديم بعد الثلاث ألله أكبر كبيرا والحمد لله كثير ألله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا قال صاحب الشامل والذي يقوله الناس لا بأس به أيضاً وهو ألله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وألله أكبر ألله أكبر ولله الحمد‏.‏

قلت هو الذي ذكره صاحب الشامل نقله صاحب البحر عن نص الشافعي رحمه الله في البويطي وقال والعمل عليه والله أعلم‏.‏

فرع يستوي في التكبير المرسل والمقيد المنفرد والمصلي جماعة والرجل‏.‏

قلت لو كبر الإمام على خلاف اعتقاد المأموم فكبر من يوم عرفة والمأموم لا يرى التكبير فيه أو عكسه فهل يوافق في التكبير وتركه أم يتبع اعتقاد نفسه وجهان الأصح اعتقاد نفسه بخلاف ما قدمناه في تكبير نفس كتاب صلاة الكسوف يطلق الكسوف والخسوف على الشمس والقمر جميعا وصلاة كسوف الشمس والقمر سنة مؤكدة وتسن في أوقات الكراهة وغيرها‏.‏

دوأقلها أن يحرم بنية صلاة الكسوف ويقرأ الفاتحة ويركع ثم يرفع فيقرأ الفاتحة ثم يركع ثانيا ثم يرفع ويطمئن ثم يسجد فهذه ركعة ثم يصلي ركعة ثانية كذلك فهي ركعتان في كل ركعة قيامان وركوعان ويقرأ الفاتحة في كل قيام فلو تمادى الكسوف فهل يزيد ركوعا ثالثا وجهان‏.‏

أحدهما يزيد ثالثا ورابعا وخامسا حتى ينجلي الكسوف قاله ابن خزيمة والخطابي وأبو بكر الضبعي من أصحابنا للأحاديث الواردة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في كل ركعة أربع ركوعات وروي خمس ركوعات ولا محمل له إلا التمادي وأصحهما لا تجوز الزيادة كسائر الصلوات‏.‏

روايات الركوعين أشهر وأصح فيؤخذ بها كذا قاله الأئمة ولو كان في القيام الأول فانجلى الكسوف لم تبطل صلاته‏.‏

وهل له أن يقتصر على قومة واحدة وركوع واحد في كل ركعة وجهان بناء على الزيادة عند التمادي إن جوزنا الزيادة جاز النقصان بحسب مدة الكسوف وإلا فلا ولو سلم من الصلاة والكسوف باق فهل له أن يستفتح صلاة الكسوف مرة أخرى وجهان خرجوهما على جواز زيادة عدد الركوع والمذهب المتبع‏.‏

وأكملها أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة وسوابقها سورة البقرة أو مقدارها إن لم يحسنها وفي الثاني آل عمران أو مقدارها‏.‏

وفي الثالث النساء أو قدرها‏.‏

وفي الرابع المائدة أو قدرها‏.‏

وكل ذلك بعد الفاتحة هذه رواية البويطي ونقل المزني في المختصر أنه يقرأ في الأول البقرة أو قدرها إن لم يحفظها وفي الثاني قدر مائتي آية من سورة البقرة وفي الثالث قدر مائة آية وخمسين آية منها وفي الرابع قدر مائة آية منها وهذه الرواية هي التي قطع بها الأكثرون وليستا على الاختلاف المحقق بل الأمر فيه على التقريب وهما متقاربتان‏.‏

قلت وفي استحباب التعوذ في ابتداء القراءة في القومة الثانية وجهان حكاهما في الحاوي وهما الوجهان في الركعة الثانية والله أعلم‏.‏

وأما قدر مكثه في الركوع فينبغي أن يسبح في الركوع الأول قدر مائة آية من البقرة وفي الثاني ويقول في الاعتدال عن كل ركوع سمع الله لمن حمده و ربنا لك الحمد وهل يطول السجود في هذه الصلاة قولان أظهرهما لا يطوله كما لا يطول التشهد ولا الجلوس بين السجدتين والثاني يطول نقله البويطي والترمذي والمزني عن الشافعي رضي الله عنه‏.‏

قلت الصحيح المختار له أنه يطول السجود في هذه الصلاة وقد ثبت في إطالته أحاديث كثيرة في الصحيحين عن جماعة من الصحابة ولو قيل إنه يتعين الجزم به لكان قولا صحيحا لأن الشافعي رضي الله عنه قال ما صح فيه الحديث فهو قولي ومذهبي فإذا قلنا بإطالته فالمختار فيها ما قاله صاحب التهذيب أن السجود الأول كالركوع الأول والسجود الثاني كالركوع الثاني وقال الشافعي رحمه الله في البويطي إنه نحو الركوع الذي قبله‏.‏

وأما الجلسة بين السجدتين فقد قطع الإمام الرافعي بأنه لا يطولها ونقل الغزالي الاتفاق على أنه لا يطولها‏.‏

وقد صح في حديث عبد الله بن عمروبن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك‏.‏

وأما الاعتدال بعد الركوع الثاني فلا يطول بلا خلاف وكذا التشهد والله أعلم‏.‏

يستحب الجماعة في صلاة الكسوفين ولنا وجه أن الجماعة فيها شرط ووجه أنها لا تقام إلا في جماعة واحدة كالجمعة وهما شاذان أيضاً ويستحب أن ينادي لها الصلاة جامعة‏.‏

وأن يصلي في الجامع وأن يخطب بعد الصلاة خطبتين كخطبتي الجمعة في الأركان والشرائط سواء صلوها جماعة في مصر أو صلاها المسافرون في الصحراء ويحث الإمام الناس في هذه الخطبة على التوبة من المعاصي وعلى فعل الخير‏.‏

قلت ويحرضهم على الاعتاق والصدقة ويحذرهم الغفلة والاغترار ففي صحيح البخاري عن أسماء رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعتاقة في كسوف الشمس والله أعلم

ومن صلى منفردا لم يخطب ويستحب الجهر بالقراءة في كسوف القمر والإسرار في الشمس هذا هو المعروف وقال الخطابي الذي يجيء على مذهب الشافعي رحمه الله أنه يجهر في الشمس‏.‏

فرع المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع الأول من الركعة الأولى فقد أدرك الركعة فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعة بركوعين ولو أدركه في الركوع الثاني من إحدى الركعتين فالمذهب الذي نص عليه في وحكى صاحب التقريب قولا آخر أنه بإدراك الركوع الثاني يكون مدركا للقومة التي قبله فعلى هذا لو أدرك الركوع الثاني من الأول وسلم الإمام قام وقرأ وركع واعتدل وجلس وتشهد وسلم ولا يسجد لأن إدراك الركوع إذا حصل القيام الذي قبله كان السجود بعده محسوبا لا محالة وعلى المذهب لو أدركه في القيام الثاني لا يكون مدركا لشيء من الركعة أيضا‏.‏

 فصل تفوت صلاة كسوف الشمس

بأمرين أحدهما انجلاء جميعها فإن انجلى البعض فله الشروع في الصلاة للباقي كما لو لم ينكسف إلا ذلك القدر ولو حال سحاب وشك في الانجلاء صلى ولو كانت الشمس تحت غمام فظن الكسوف لم يصل حتى يستيقن‏.‏

قلت قال الدارمي وغيره ولا يعمل في كسوفها بقول المنجمين والله أعلم‏.‏

الثاني أن تغرب كاسفة فلا يصلي وتفوت صلاة خسوف القمر بأمرين أحدهما الانجلاء كما سبق والثاني طلوع الشمس فإذا طلعت وهو بعد خاسف لم يصل ولو غاب في الليل خاسفا صلى كما لو استتر بغمام‏.‏

ولو طلع الفجر وهو خاسف أو خسف بعد الفجر صلى على الجديد وعلى هذا لو شرع في وقال القاضي ابن كج هذان القولان فيما إذا غاب خاسفا بين الفجر وطلوع الشمس فأما إذا لم يغب وبقي خاسفا فيجوز الشروع في الصلاة بلا خلاف‏.‏

قلت صرح الدارمي وغيره بجريان القولين في الحالين قال صاحب البحر ولو ابتدأ الخسوف بعد طلوع الشمس لم يصل قطعا والله أعلم‏.‏

 فصل اذا اجتمعت صلاتان

في وقت قدم ما يخاف فوته ثم الاوكد فلو اجتمع عيد وكسوف أو جمعة وكسوف وخيف فوت العيد أو الجمعة لضيق وقتها قدمت وإن لم يخف فالأظهر يقدم الكسوف والثاني العيد والجمعة لتأكدهما وباقي الفرائض كالجمعة‏.‏

ولو اجتمع كسوف ووتر أو تراويح قدم الكسوف بعدها مطلقا لأنها أفضل ولو اجتمع جنازة وكسوف أو عيد قدم الجنازة ويشتغل الإمام بعدها بغيرها ولا يشيعها فلو لم تحضر الجنازة أو حضرت ولم يحضر الولي أفرد الإمام جماعة ينتظرون الجنازة واشتغل هو بغيرها‏.‏

ولو حضرت جنازة وجمعة ولم يضق الوقت قدمت الجنازة وإن ضاق الوقت قدمت الجمعة على المذهب‏.‏

فرع إذا اجتمع العيد والكسوف خطب لهما بعد الصلاتين خطبتين يذكر ولو اجتمع جمعة وكسوف واقتضى الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى الجمعة ثم الكسوف ثم خطب لها وإن اقتضى تقديم الكسوف بدأ بها ثم خطب للجمعة خطبتين يذكر فيهما شأن الكسوف ولا تحتاج إلى أربع خطب ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة ولا يجوز أن يقصد الجمعة والكسوف لأنه تشريك بين فرض ونفل بخلاف العيد والكسوف فإنه يقصدهما جميعا بالخطبتين لأنهما سنتان‏.‏

فرع اعترضت طائفة على قول الشافعي اجتمع عيد وكسوف وقالت هذا محال فإن الكسوف لا يقع إلا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين فأجاب الأصحاب بأجوبة‏.‏

أحدها أن هذا قول المنجمين وأما نحن فنجوز الكسوف في غيرهما فإن الله تعالى على كل شيء قدير وقد نقل مثل ذلك فقد صح أن الشمس كسفت يوم مات إبرهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الزبير بن بكار في الأنساب أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول وروى البيهقي مثله عن الواقدي وكذا اشتهر أن قتل الحسين رضي الله عنه كان يوم عاشوراء الثاني أن وقوع العيد في الثامن والعشرين يتصور بأن يشهد شاهدان على نقصان رجب وآخران على نقصان شعبان ورمضان وكانت في الحقيقة كاملة فيقع العيد في الثامن والعشرين‏.‏

الثالث لو لم يقع ذلك لكان تصوير الفقيه له حسنا ليتدرب باستخراج الفروع الدقيقة‏.‏

 فصل ما سوى الكسوفين

من الآيات كالزلازل والصواعق والرياح الشديدة ويستحب لكل أحد أن يصلي منفردا لئلا يكون غافلا وروى الشافعي أن عليا كرم الله وجهه صلى في زلزلة جماعة قال الشافعي إن صح قلت به فمن الأصحاب من قال هذا قول آخر له في الزلزلة وحدها ومنهم من عممه في جميع الآيات‏.‏

قلت لم يصح ذلك عن علي رضي الله عنه قال الشافعي والأصحاب يستحب للنساء غير ذوات الهيئات صلاة الكسوف مع الإمام وأما ذوات الهيئات فيصلين في البيوت منفردات قال الشافعي فإن اجتمعن فلا بأس إلا أنهن لا يخطبن فإن قامت واحدة وعظتهن وذكرتهن فلا بأس والله أعلم

 كتاب صلاة الاستسقاء

المراد بالاستسقاء سؤال الله تعالى أن يسقي عباده عند حاجتهم وله أنواع أدناها الدعاء بلا صلاة ولا خلف صلاة فرادى أو مجتمعين لذلك وأوسطها الدعاء خلف الصلوات وفي خطبة الجمعة ونحو ذلك‏.‏

وأفضلها الاستسقاء بركعتين وخطبتين ويستوي في استحباب الاستسقاء أهل القرى والأمصار والبوادي والمسافرون ويسن لهم جميعا الصلاة والخطبة ولو انقطعت المياه ولم يمس إليها حاجة في ذلك الوقت لم يستسقوا ولو انقطعت عن طائفة من المسلمين واحتاجت استحب لغيرهم أن يصلوا ويستسقوا لهم ويسألوا الزيادة لأنفسهم‏.‏

فرع إذا استسقوا فسقوا فذاك فإن تأخرت الاجابة استسقوا وصلوا ثانيا وهل يعودون من الغد أم يصومون ثلاثة أيام قبل الخروج كما يفعلون في الخروج الأول قال في المختصر من الغد وفي القديم يصومون فقيل قولان أظهرهما الأول وقيل على حالين فإن لم يشق على الناس ولم ينقطعوا عن مصالحهم عادوا غدا بعد بغد وإن اقتضى الحال التأخير أياما صاموا‏.‏

قلت ونقل القاضي أبو الطيب عن عامة الأصحاب أن المسألة على قول واحد نقل المزني ثم جماهير الأصحاب قطعوا باستحباب تكرير الاستسقاء كما ذكرنا لكن الاستحباب في المرة الأولى آكد وحكي وجه أنهم لا يفعلون ذلك إلا مرة‏.‏

فرع لو تأهبوا للخروج للصلاة فسقوا قبل موعد الخروج خرجوا للوعظ وهل يصلون شكرا فيه طريقان قطع الأكثرون بالصلاة وهو المنصوص في الأم وحكى إمام الحرمين والغزالي وجهين أصحهما هذا والثاني لا يصلون وأجري الوجهان فيما إذا لم تنقطع المياه وأرادوا أن يصلوا للاستزادة‏.‏

 فصل في آداب هذه الصلاة

منها أن يأمر الإمام الناس بصوم ثلاثة قبل يوم الخروج وبالخروج عن المظالم في الدم والعرض والمال وبالتقرب إلى الله تعالى بما يستطيعون من الخير ثم يخرجون في اليوم الرابع صياما في ثياب بذلة وتخشع بلا زينة ولا طيب لكن يتنظفون بالماء والسواك وقطع الرائحة الكريهة‏.‏

ويستحب إخراج الصبيان والمشايخ ومن لا هيئة لها من النساء ويستحب إخراج البهائم على الأصح‏.‏

وعلى الثاني لا يستحب فلو أخرجت فلا بأس وأما خروج أهل الذمة فنص الشافعي رحمه الله على كراهيته والمنع منه إن حضروا مستسقى للمسلمين وإن تميزوا ولم يختلطوا بالمسلمين لم يمنعوا وحكى الروياني وجها أنهم يمنعون وإن تميزوا إلا أن يخرجوا في غير يوم المسلمين ومن الآداب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعل من خير فيجعله شافعا‏.‏

ومنها أن يستسقى بالأكابر وأهل الصلاح لا سيما أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

 فصل السنة أن يصليها في الصحراء

وينادي لها الصلاة جامعة ويصلي فيهما بالقراءة ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة ق وفي الثانية اقتربت وقال بعض الأصحاب يقرأ في إحداهما إنا أرسلنا نوحا وليكن في الثانية وفي الأولى ق ونص الشافعي رحمه الله أنه يقرأ فيهما ما يقرأ في العيد وإن قرأ إنا أرسلنا كان حسنا وهذا يقتضي أن لا خلاف في المسألة وأن كلا سائغ ومنهم من قال في الأحب خلاف‏.‏

والأصح أنه يقرأ ما يقرأ في العيد وأما وقت هذه الصلاة فقطع الشيخ أبو علي وصاحب التهذيب بأنه وقت صلاة العيد واستغرب إمام الحرمين هذا وذكر الروياني وآخرون أن وقتها يبقى بعد الزوال ما لم يصل العصر وصرح صاحب التتمة بأن صلاة الاستسقاء لا تختص بوقت بل أي وقت صلوها من ليل أو نهار جاز وقد قدمنا عن الأئمة وجهين في كراهة صلاة الاستسقاء في الأوقات المكروهة ومعلوم أن الأوقات المكروهة غير داخلة في وقت صلاة العيد ولا مع انضمام ما بين الزوال والعصر إليه فيلزم أن لا يكون وقت الاستسقاء منحصرا في ذلك وليس لحامل أن يحمل الوجهين في الكراهة على قضائها فانها لا تقضى‏.‏

قلت ليس بلازم ما قاله فقد تقدم أن الأصح دخول وقت العيد بطلوع الشمس وهو وقت كراهة وممن قال بانحصار وقت الاستسقاء في وقت العيد الشيخ أبو حامد والمحاملي ولكن الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به الأكثرون وصححه الرافعي في المحرر والمحققون أنها لا تختص بوقت كما لا تختص بيوم‏.‏

وممن قطع به صاحبا الحاوي و الشامل ونقله صاحب الشامل وصاحب جمع الجوامع عن نص الشافعي رضي الله عنه وقال إمام الحرمين لم أر التخصيص لغير الشيخ أبي علي والله أعلم‏.‏

 فصل يستحب أن يخطب خطبتين بعد الصلاة

وأركانهما وشرائطهما كما تقدم لكن تخالفها في أمور منها أنه يبدل التكبيرات المشروعة في أولهما بالاستغفار فيقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ويختم كلامه بالاستغفار ويكثر منه في الخطبة ومن قوله استغفروا ربكم إنه كان غفارا الآية ولنا وجه حكاه في البيان عن المحاملي أنه يكبر هنا في ابتداء الخطبة كالعيد والمعروف الأول ومنها أن يستقبل القبلة في الخطبة الثانية كما سنذكره إن شاء الله تعالى ومنها أنه يستحب أن يدعو في الأولى اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ويكون في الخطبة الأولى وصدر الثانية مستقبل الناس مستدبر القبلة ثم يستقبل القبلة ويبالغ في الدعاء سرا وجهرا وإذا أسر دعا الناس سرا ويرفعون أيديهم في الدعاء‏.‏

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وأشار بظهر كفيه إلى السماء قال العلماء السنة لكل من دعا لرفع بلاء أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء وإذا سأل شيئا جعل كفيه إلى السماء‏.‏

قلت الحديث المذكور في صحيح مسلم الله أعلم‏.‏

قال الشافعي رحمه الله وليكن من دعائهم في هذه الحالة اللهم أنت أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم امنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة رزقنا‏.‏

فإذا فرغ من الدعاء أقبل بوجهه على الناس وحثهم على طاعة الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا للمؤمنين والمؤمنات وقرأ آية أو آيتين ويقول أستغفر الله لي ولكم هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه‏.‏

ويستحب عند تحوله إلى القبلة أن يحول رداءه وهل ينكسه مع التحويل قولان الجديد نعم والقديم لا فالتحويل أن يجعل ما على عاتقه الأيمن على عاتقه الأيسر وبالعكس والتنكيس أن يجعل أعلاه أسفله ومتى جعل الطرف الأسفل الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن والطرف الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر حصل التحويل والتنكيس جميعا هذا في الرداء المربع فأما المقور والمثلث فليس فيه إلا التحويل‏.‏

ويفعل الناس بأرديتهم كفعل الإمام تفاؤلا بتغير الحال إلى الخصب ويتركونها محولة إلى أن ينزعوا الثياب‏.‏

قلت قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى إذا ترك الإمام الاستسقاء لم يتركه الناس ولو خطب قبل الصلاة قال صاحب التتمة يجوز وتصح الخطبة والصلاة ويحتج لها بما ثبت في الحديث الصحيح الصريح في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ثم صلى‏.‏

وفي صحيحي البخاري و مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فدعا واستقبل القبلة وحول رداءه ثم صلى ركعتين‏.‏

قال أصحابنا وإذا كثرت الأمطار وتضررت بها المساكن والزروع فالسنة أن يسألوا الله تعالى دفعه اللهم حوالينا ولا علينا قال الشافعي والأصحاب ولا يشرع لذلك صلاة ويستحب أن يبرز لأول مطر يقع في السنة ويكشف عن بدنه ما عدا عورته ليصيبه المطر وأن يغتسل في الوادي إذا سال أو يتوضأ ويسبح عند الرعد والبرق ولا يتبع بصره البرق‏.‏

والسنة أن يقول عند نزول المطر اللهم صيبا نافعا رواه البخاري في صحيحه وفي رواية ابن ماجه سيبا نافعا مرتين أو ثلاثا فيستحب الجمع بينهما‏.‏

وقد أوضحت ذلك مع زوائد ونفائس تتعلق به في كتاب الأذكار الذي لا يستغني متدين عن معرفة مثله ويكره سب الريح فإن كرهها سأل الله تعالى الخير واستعاذ من الشر وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به‏.‏

ويستحب أن يقول بعد المطر مطرنا بفضل الله ورحمته ويستحب الدعاء عند نزول المطر ويشكر الله تعالى عليه ويكره أن يقول مطرنا بنوء كذا فإن اعتقد أن النوء هو الممطر الفاعل حقيقة كفر فصار مرتداوالله أعلم‏.‏

 كتاب الجنائز

يستحب لكل واحد ذكر الموت قلت ويستحب الإكثار منه والله أعلم‏.‏

ويستعد له بالتوبة ورد المظالم إلى أهلها والمريض آكد ويستحب له الصبر على المرض وترك الأنين ما أطاق ويستحب التداوي ويستحب لغيره عيادته إن كان مسلما فإنكان ذميا له قرابة أو جوار أو نحوهما استحبت وإلا جازت فإن رأى العائد علامة البرء دعا له وانصرف وإن رأى خلاف ذلك رغبه في التوبة والوصية‏.‏

قلت ويستحب للعائد أن يطيب نفس المريض ولا يطول القعود ولا يواصل العيادة بل تكون غبا ولا تكره العيادة في وقت إلا أن يشق على المريض والله أعلم‏.‏

 فصل في آداب المحتضر

يستقبل به القبلة وفي كيفيته وجهان أحدهما يلقى على قفاه وأخمصاه إلى القبلة والثاني وهو الصحيح المنصوص وبه قطع العراقيون وصححه الآخرون يضجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد فإن لم يمكن لضيق الموضع أو سبب آخر فعلى قفاه ووجهه وأخمصاه إلى القبلة‏.‏

ويستحب أن يلقن كلمة الشهادة ولا يلح الملقن ولا يواجهه بقول قل لا إله إلا الله بل يذكرها بين يديه ليذكر أو يقول ذكر الله تعالى مبارك فنذكر الله تعالى جميعا ويقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وإذا قالها مرة لا تعاد عليه ما لم يتكلم بعدها ويستحب أن يلقنه غير الورثة فإن لم يحضر غيرهم لقنه أشفقهم عليه‏.‏

قلت هكذا قال الجمهور يلقنه كلمة الشهادة لا إله إلا الله وذهب جماعات من أصحابنا إلى أنه يلقن أيضاً محمدا رسول الله‏.‏

ممن صرح به القاضي أبو الطيب والماوردي وسليم الرازي ونصر المقدسي وأبو العباس الجرجاني والشاشي في المعتمد والأول أصح والله أعلم‏.‏

ويستحب أن يقرأ عند سورة يس واستحب جعض التابعين سورة الرعد أيضاً وينبغي له أن يحسن ظنه بالله تعالى ويستحب لمن عنده تحسين ظنه وتطميعه في رحمة الله تعالى فإذا مات غمضت عيناه وشد لحياه بعصابة عريضة ويربطها فوق رأسه ويلين مفاصله فيمد ساعده إلى عضده ويرده ويرد ساقه إلى فخذه وفخذه إلى بطنه ويردهما ويلين أصابعه وينزع ثيابه التي مات فيها ويستر جميع بدنه بثوب خفيف ولا يجمع عليه أطباق الثياب ويجعل أطراف الثوب الساتر تحت رأسه ورجليه لئلا ينكشف ويوضع على بطنه شيء ثقيل كسيف أو مرآة أو نحوهما‏.‏

فإن لم يكن فطين رطب ويصان المصحف عنه ويستقبل به القبلة كالمحتضر ويوضع على شيء مرتفع كسرير ونحوه ويتولى هذه الأمور أرفق محارمه بأسهل ما يقدر عليه قلت يتولاه الرجال من الرجال والنساء من النساء فإن تولاه الرجال من النساء المحارم أو النساء من الرجال المحارم جاز والله أعلم‏.‏

ويبادر إلى قضاء دينه وتنفيذ وصيته إن تيسر في الحال‏.‏

قلت يكره تمني الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل اللهم احيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي فإن كان تمنيه مخافة فتنة في دينه فلا بأس ويكره للمريض كثرة الشكوى وتكره الكراهة على تناول الدواء‏.‏

ويستحب للناس أن يقولوا عند الميت خيرا ويجوز لأهل الميت وأصدقائه تقبيل وجهه ثبتت فيه الأحاديث وصرح به الدارمي ويكره نعيه بنعي الجاهلية ولا بأس بالإعلام بموته للصلاة عليه وغيرها والله أعلم‏.‏